لم يتوقع منتخب الشباب المكسيكي أن تكون نهاية مشاركته ببطولة كوتيف الدولية على يد منتخب المرابطون القادم من أدغال صحراء افريقيا، ولم يتوقع مدرب المنتخب الموريتانى سيد أحمد ولد القاسم أن يكون "أقراس تيشيت" هم بالذات الحل الوحيد أمامه من أجل استعادة الهيبة أمام المنتخبات الكبيرة.
تأسست "تيشيت" سنة 536 هجرية على يد العالم المعروف الشريف عبد المؤمن بن صالح تلميذ العلامة الشهير القاضى عياض، لكنها لم تشتهر طيلة مسارها التاريخي الحافل بالكثير من الأحداث بالنشاط الكروى، ولم يعهد عن سكانها عشق الكرة أو تعاطيها ولم توقف مجمل الحكومات المتعاقبة على البلاد فى ترميم ملعب رياضى واحد داخل المقاطعة الأكثر شهرة بموريتانيا، ولم تمنح لها كرة واحدة كهدية من مجمل المنظمات النشطة بولاية تكانت.
غير أن رحيل بعض الأسر منها للعاصمة نواكشوط، وبعض العواصم الإفريقية، سمح لنجمين منها أن يرتادا بجدارة ملاعب الساحرة المستديرة، وأن يصنعا مستقبلا كرويا زاهرا اذا وجدا التشجيع الملائم والاحتضان الذي يحتاجه مراهق تتقاذفه أهواء الكرة وضغط الواقع وصدود المجتمع عن اللعبة التى يمارسها كهواية ويتقنها كفن.
منتصف 2013 التقط القائمون على الأكاديمية الوطنية لكرة القدم بموريتانيا نجم الأكاديمة الأبرز محمد عبد الرحمن، وخلف حضور "الطالب" داخل الأكاديمية وجد الوقت الكافى لإظهار مهاراته، راودته أفكار الشباب وضغطت عليه مشاغل الدراسة، وتكاسل مثل أقرانه عن حضور التدريبات شبه اليومية القاسية بمركز تكوين الأكاديمية، حيث يفرض المدرب الإسباني صرامة كبيرة على مجمل اللاعبين، لكن رئيس الاتحادية أحمد ولد يحى تدخل لاعادته لسكة الكرة الموريتانية، وكانت أولى جلسات النصيحة بمكتبه فى مقر الاتحادية الجديد، بحكم أن الفرص لاتضيع، وأن المهاراة التى يمتلك الشاب القادم من أدغال الصحراء بحق (تيشيت) قادرة على صنع مستقبل زاهر له وللكرة الموريتانية التى يعتبر الآن أبرز لاعبيها الشباب رغم صغر سنه (17 سنة).
شارك محمد عبد الرحمن مع آخرين فى بطولة العرب للناشئين فى الدوحة، وفيها تميز بأهدافه الجميلة، وتسديداته من بعيد التى اجبرت الخصم قبل الصديق على احترامه، وأعطته دفعة قوية فى الشارع الموريتانى بعد أن تم بث البطولة بشكل مباشر عبر القنوات القطرية ذات الشعبية الواسعة بموريتانيا.
وبعد عودة المنتخب من قطر، كان زميله وابن عمه "مولاي أحمد" قد استهوته فكرة اللعب بشكل رسمى داخل أحد الأندية الموريتانية، لكن الحلم كاد يصطدم بواقع بائي لامكان فيه للمهارة، وإنما الأجسام الكبيرة، وتلك نعمة حرمها الشاب كابن عمه، رغم اتقانه لفنيات الكرة المستديرة بشكل يمتع الجمهور ويصنع الفارق على الميدان.
تطوع أحد الفاعلين فى الاتحادية الوطنية لكرة القدم بفرضه على نادى تجكجه المتعثر ساعتها، ومعه انضم "محمد عبد الرحمن" للنادى، من أجل اللعب بدورى الدرجة الأولى دون تعويض، والإبقاء على الحظوظ قائمة في انتظار الفرج.
وحينما بدأت ملامح المشاركة الموريتانية فى بطولة كوتيف الدولية تتضح، كانت حملات المغرضين قد أخذت طريقها لتنهش أعراض اللاعبين من أجل ابعادهما عن خيارات المدرب سيد أحمد ولد القاسم غير المتحمس فى الأصل لصغار الأجسام الوافدين الجدد على عالم الكرة المستديرة، وكانت تهم الغطرسة تلاحق الصغير "محمد عبد الرحمن" أما "مولاي أحمد" فكان يوصم بالضعف واللعب الإستعراضى من قبل بعض أعوان المدرب وجمهور الكرة.